الهمِّ يُسران ، هوِّن عليك فلا الهمُّ يُجدي ولا الاكتئاب
إن نظرةً بعيدة يبعثها المرء في مجتمعه ليكاد يُصاب بالحيرة والذهول .. فهذا مصابٌ في نفسه ، وآخرٌ في ماله ، وثالثٌ في ولده وعياله ، ورابعٌ وخامسٌ ..
ففي كلِّ بيتٍ مهموم ، وخلف كلِّ جدار مغموم ، وبين كلِّ شخصٍ وآخر كسيرٌ ومكروب ..
فيا لله .. ما أشدَّ حقارة هذه الدنيا ، وما أقلَّ شأنها ، وما أرخصها وأهونها .. { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } العنكبوت 64
فالمِحنٌ والهموم قد تكالبت على الجميع ، لم ينجو منها أحدٌ أبداً ، ولو كان كذلكَ ؛ لكان أولى الناس بالنجاة منها : أكرم الخلق على الله ( الأنبياء والرسل ) .
فهذه الدار دارُ همٍ وغمٍ ونصبٍ وتعب ، هكذا أرادها ربنا جل وعلا ، إلا أن الذين يتفاضلون فيها ؛ فعلى قدر صبرهم واحتسابهم ورضاهم بما كتب الله وقدَّر .
ولا تجزع إذا أعسرت يوماً *** فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربك ظن سوءٍ *** فإن الله أولى بالجـميل ِ
وإن العسر يتـبعه يسارٌ *** وقول الله أصدق كل قيل ِ
والموفَّق كل التوفيق هو من تمثَّل وتأمل قول الباري جل وعلا : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } البقرة 156
القدرُ نافذ ، وقضاء الله صائر ، فإما أن تصبِر فتُؤجر ، وإما أن تجزع وتسخط فحينها يسخطُ الربُّ ويغضب ..
ونبيك وحبيبك محمداً صلى الله عليه وسلم يقول : (عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) ..
فهوِّن عليك أيها المبارك ، { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } الشرح 5 .. وكلما حلَّت بك كارثة ، أو نزلت بك نازلة ، تذكر أن في كلِّ بيتٍ مهموم ، وأنك لست وحدك من يسير في هذا الطريق ، وأن هناك من هم أصعب منك حالاً ، وأبأس منك مآلا .. ولكن الذي يجب أن تفكِّر فيه : كيف أصبرُ على هذا البلاء ؟
واعلم أن فرَج الله قريب ، وتيسيره ليس ببعيد ، واعلم أنَّه لن يغلِب عسرٌ يسرين .. فأبشر واسعد واطمئن وتفاءل ، فإن الفجر لاحت تباشيره ..
سيُفتَحُ بابٌ إذا سُدَّ بابْ نعم وتهونُ الأمور الصِّعابْ
وفقك الله ، وأعانك ، وسددك ، وتولاَّك أينما كنت .