في سبعينات القرن الماضي أصيب الصحافي الأميركي نورمان كازونس بمرض في المفاصل جعله طريح الفراش، فاستعان بطبيب يمارس تقنية العلاج بالضحك. وبعد سنوات قليلة من التداوي بهذه الطريقة، استطاع كازونس أن يستعيد الليونة والطراوة إلى مفاصله التي قست وتيبست بسبب المرض.
إن الضحك مهم جداً للإنسان، فهو يحدث عاصفة كيماوية تنعكس برداً وسلاماً على الصحة، إضافة إلى كونه وسيلة جيدة لتخفيف من وطأة الحياة المتسارعة ومواجهة المواقف العصيبة والهموم اليومية. لقد أشارت دراسات عدة إلى أهمية الضحك بالنسبة إلى الصحة النفسية والبدنية سواء كان بطريقة تلقائية أو علاجية، إذ انه يطهر الجسم من السموم، ويزرع فيه الود والسكينة.
الضحك والقلب
الضحك يحمي القلب من خطر التعرض للأزمات، فالضغوط العقلية تحدث خللاً في البطانة الداخلية للشرايين الأمر الذي يجعلها عرضة لتراكم الأدهان عليها، وعلى ما يبدو فإن الضحك يحول دون حصول ذلك. ويفيد الضحك القلب من خلال خفضه مستوى الكوليسترول في الدم بواسطة تشجيعه عمليات التبادل الكيماوي والفيزيولوجي في الكبد. وإذا أخذنا برأي الدكتور ستيف سلطانوف، رئيس الرابطة الأميركية للعلاج بالضحك، فإن الأخير يزيد من إفراز مضادات الأجسام التي تحارب العدوى وتمنع تصلب الشرايين الذي يؤهب لوقوع الأزمات القلبية والدماغية. ان الضحك يطلق العنان لمواد هرمونية كيماوية تسهم في تحقيق انبساط (استرخاء) عضلات الشرايين الدقيقة، الأمر الذي يسمح بعبور كميات كبيرة من الدم لتغذية القلب، فيقوم هذا بعمله على أحسن ما يرام. ويذهب بعض الباحثين إلى القول بأن فوائد الضحك على القلب والشرايين تعادل فوائد التمارين الرياضية.
الضحك والدماغ
يقوم الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ المسؤولة عن إفراز هرمون الأندروفين الشبيه بمادة المورفين، ويعتقد العلماء بأن إطلاق هذا الهرمون يرفع المعنويات، ويعدل المزاج، ويخفف كثيراً من رسائل عصبية من شأنها أن توجد عند صاحبه نوعاً من الرضى والاسترخاء والثقة بالنفس والسعادة، من هنا فهو يعتبر وسيلة ممتازة للوقاية من الاكتئاب أو حتى لعلاجه. وإلى جانب هذا وذاك، فالضحك يعزز قدرة الشخص على التفكير والتمتع بذاكرة نشطة وقادة. لقد كشفت دراسات ان اللذين يتمتعون بالحس الفكاهي هم أبعد الناس عن خطر الأمراض النفسية.
الضحك والعضلات
يؤدي الضحك إلى حدوث شلال من الحركات العضلية خصوصاً في عضلات الوجه والقفص الصدري والحجاب الحاجز والعنق والظهر، ومثل هذه الحركات تدفع بالمزيد من الدم إلى جهاز التنفس وإلى أعضاء الجسم المختلفة. كما أن هذه الحركات تسهم في حرق الطاقة. وفي هذا الإطار سبق لدراسة قام بها باحثون أميركيون أن أوضحت إن ممارسة الضحك على مدار اليوم لمدة ربع ساعة تقريباً، تسهم في خفض الوزن بمعدل كيلوغرامين سنوياً عند الأشخاص البدناء.
الضحك والداء السكري
يمكن للضحك أن يساعد على خفض مستوى سكر الدم بعد تناول الطعام، أو هذا على الأقل ما أفادت به دراسة يابانية شملت عدداً من المصابين بالداء السكري النوع الثاني (أي غير المعتمد على الأنسولين)، فقد تم قياس مستوى السكر عند عشرين مريضاً قبل تناولهم وجبة الطعام، ومن ثم طلب منهم متابعة محاضرة مملة لمدة 40 دقيقة، وبعد مرور ساعتين على تناول الوجبة جرى قياس مستوى سكر الدم. وفي اليوم التالي أجرى البرنامج نفسه ولكن بعد حضور عرض فكاهي بدلاً من العرض الممل. ولدى مقارنة النتائج لوحظ ان معدل سكر الدم انخفض أكثر بعد مشاهدة العرض الفكاهي مقارنة بمعدله بعد حضور العرض الممل.
الضحك والمناعةيســهم الضـــحك في زيادة مـــناعة الجـــسم، وبــالتالي من قدرته على مواجهة العدوى، ولا غرابة في هذا فقد دلت التحريات إلى أن الضحك يزيد من تشــكل مضادات الأجـــسام ويـــعزز من تــواجد الخـــلايا الــمناعية، لتــقف بالمـــرصاد للمـــيكروبات التي تفكر بشن أي عدوان على الجسم.
الضحك والأطفال
أظهرت الدراسات على الأطفال الذين سيخضعون لعمليات جراحية بسيطة أنهم كانوا أقل تعرضاً للقلق في حال وجود مهرج مقارنة برفاقهم الذين لم يكن المهرج موجوداً معهم. على صعيد آخر، توصل باحثون يابانيون إلى أن الأم التي ترضع طفلها، وهي في حال من السعادة والفرح، إنما تحميه من الإصابة بداء الاكزيما البنيوية، ولهذا ينصح هؤلاء البحاثة الأمهات بمشاهدة أفلام كوميدية فكاهية قبل إرضاع أطفالهن، ما هو السر؟ ان الضحك يساعد في إفراز مركبات مضادة للحساسية في حليب الأم. في المختصر، ان الضحك يفيد الجسم والعقل، وهو كبصمة اليد شيء خاص بكل فرد، إذ من الصعب جداً إيجاد ضحكتين متشابهتين. وعنه يقول الدكتور روبيرت بروفن استاذ السلوكيات في جامعة ميريلاند، بأنه شيء فطري يحدث من دون تخطيط، وانه أفضل وسيلة لفهم السلوك البشري. ونظراً إلى أهمية الضحك للصحة، فإنه أصبح له عيادات خاصة يرتادها المصابون بأمراض مختلفة، إذ يعتبر وسيلة ممتازة للأخذ والرد مع المريض. أكثر من هذا، فإن بعض المستشفيات تستقدم من حين لآخر بعض المهرجين ليتحولوا في أقسامها من أجل إشاعة الضحك بين المرضى، فالضحك هو أفضل وسيلة للوصول إلى قلوب الآخرين، لكن هناك ضحك وضحك، والمفيد منه، هو الضحك العفوي النابع من الأعماق.